أمام القصر الفخم الذي لم يحدث أن صدر منه صوت أو شوهد فيه شخص منذ زمن طويل، تمر ثلاث فتيات صغيرات كل صباح ومساء تقريبا وهن يحملن محافظ متوجهات إلى المدرسة أو عائدات منها، وفي المساء يفترقن أمام القصر.. تذهب لبنى وربيعة في طريق وتكمل راوية الطريق وحيدة إلى بيتها الذي يقع على ربوة منعزلة عن القرية.
ذات مساء قائظ، كانت عجوز ترتدي نظارتين شمسيتين تحتسي قدح شاي في شرفة القصر، الفتياتُ الصغيرات اللائي وقفن عند باب البيت مطولا قبل افتراقهن لم يرينها، لكنها رأتهن فوقفت وهي تتكئ على عصا وراقبتهن حتى توارين عن الأنظار.
وفي الصباح الباكر ظهرت تلك العجوز مجددا على شرفة القصر المهجور، ومذ ذاك راحت تراقبهن كل صباح ومساء، ومن بين الفتيات الثلاث لفتت راوية انتباهها، فقد كانت طفلة جميلة ترتدي ثيابا نظيفة متناسقة ومئزرا أبيضا كتبت عليه عبارة “العلم نور”، وتسدل ضفيرتين سوداوين على كتفيها الصغيرتين.
عندما كن عائدات إلى البيت ذات يوم، وقفت العجوز عند مدخل القصر، وهو المكان الذي ألفن البقاء فيه لفترة قصيرة قبل افتراقهن، وما إن رأتهن حتى دخلت وأحضرت قطعا من الحلوى ونادت عليهن بابتسامة عريضة ليأخذن الهدية، لكن الفتيات اللاتي لم يسبق أن رأين شخصا ما هناك، انتابهن هلع شديد وأعطين أرجلهن للريح.. كل واحدة منهن في اتجاه وهن يصرخن: “إنها الغولة، إنها الغولة..”!.
اختفت الصغيرات في لمح البصر، ووقفت العجوز ذات الزي الأوربي على عتبة الباب تتساءل وهي تخنق دمعة في عينيها: “هل أشبه الغولة حقا؟”.
عندما عادت راوية إلى البيت، قصت الحادثة على والدها، فتذكر أخته التي لم يعد يجمع بينهما شيء منذ أمد بعيد، وقال في نفسه: “هل يمكن أن تكون قد عادت؟”.
.. في الوقت الذي كانت فيه راوية الصغيرة منشغلة بأكل قطعة الحلوى، كان الشقيقان اللذان فرقتهما توافه الحياة وجمعتهما عصفورة الحب يتعانقان بحرقة ويبكيان بمرارة، وهما يقسمان بأنهما سيبقيان معا.. إلى الأبد.